حينما يغيب الحوار بين الأزواج ، تتعالى الأصوات، وتتنافر النفوس، ويهتز عرش الزوجية والاستقرار الأسري، ويصبح التجاهل والانسحاب والاستبداد سيد الموقف فتغيب المودة والرحمة التي جمعت بينهما خلال الرباط المقدس، فلماذا يغيب الحوار بين الأزواج وما تأثير ذلك عليهما وكيف يمكن تحقيق الحوار الجيد؟ تلك التساؤلات وغيرها تطرحها على بساط النقاش في مساحتها.
أثبتت الكثير من الدراسات العلمية والنفسية المتخصصة أن غياب الحوار بين الزوجين يمثل واحدًا من أهم العوامل الأساسية في الإحساس بالضيق والكآبة وطلب الانفصال.
في استطلاع الثريا مع بعض الأزواج، يقول أحمد (25 عاماً) أنا متزوج منذ ثلاث سنوات، ولي طفل عمره سنة، وأنا غنيّ وأعمل طبيباً، وزوجتي لا تعمل بناء على رغبتي، ولها نفس مواصفاتي، لكن عندما أتحاور معها أعاني من سطحيتها في الحوار، فهي لا تعرف سوى الغسل والطبخ وتنظيف المنزل، وعندما أحاورها في أمور حياتنا، أو أمورنا الخاصة لا تبدي رأياً ولا تشاركني اهتماماتي.
وفي لقاء "الثريا " مع سها (30 عاماً) والتي تعمل مهندسة، بينما لم يكمل زوجها تعليمه الإعدادي فتقول:" إن الحوار ينتهي بيننا في كل مرة بالشجار هذا إذا بدأ أصلاً، وتضيف: "في كل مرة أحاول أن أطرح إحدى المشكلات المتعلقة بأحد أطفالنا أو غيرها من المشكلات التي يجب أن نتخذ فيها قراراً يبدأ بالصراخ، ويقول أنا من يقرر ولا تتدخلي، وتبقى المشاكل معلقة دون حل، أو يتخذ وحده قراراً سواء كان صحيحاً أم خاطئاً ولا يقبل النقاش".
وفي منحنى مختلف، تثني رانية (24) على زوجها، وتقول: "أنا متزوجة منذ سنتين ونصف، وقد اتفقنا أنا وزوجي منذ بداية زواجنا على الخطوط العريضة لنجاح زواجنا، فحل كل مشكلاتنا يكون بالحوار، وزوجي دائماً يستطيع إنهاء الحوار عندما تبدأ أصواتنا تعلو على بعضنا، ونكمله عندما نهدأ، ويبدأ كل منا في الاعتذار للآخر على ما بدر منه".
تعقيبا على ما سبق وفي محاولة لإسقاط التجربة والخبرة العلمية على واقع الأزواج التقت الثريا الدكتور أنور العبادسة رئيس قسم علم النفس بالجامعة الإسلامية والذي يبين أهمية الحوار في الحياة الزوجية فيقول:" الحوار يعزز التوافق بين الأزواج، ويوطد العلاقة الزوجية، ويزيد الاستقرار، وينعكس ذلك على الحياة بشكل عام، ويساعد الزوجين على التعامل مع التحديات المستقبلية، وإمكانية حل المشاكل الحياتية سوياً. إضافة إلى أن انسجام الزوجين ومدى وجود الألفة والحب بينهما يساعد على نجاح الحوار.
ويضيف د. أنور العبادسة في لقائه :" من أهم أسباب نجاح الحوار تقارب المستوى الثقافي والتعليمي بين الزوجين، فهو يعمل على توحيد المفاهيم لدى كل منهما، ويقلل الخلافات المحتملة بسبب عدم اهتمام كل منهما بحاجات الآخر، وذلك لاختلاف اهتماماتهم".
و يوضح د.العبادسة أن تقارب المستوى التعليمي أو الثقافي سيسهل من نجاح الحوار، كذلك فإن الفهم الصحيح لتعاليم الدين وحفظ كل من الزوجين لحق الآخر يفتح أبوابا واسعة من المودة والرحمة والمحبة مهما كان المستوى التعليمي، فيمكن أن يكون كلا الزوجين غير متعلمين أو ليسا على مستوى عالٍ من الثقافة، وبالرغم من ذلك يكونا متفاهمين ويسود بينهما جو من الحب والوئام والتفاهم.
وفي سؤال الثريا عن تأثير عمل الزوجين على غياب الحوار أو تعزيزه، فقد أشار د. العبادسة أن العمل لا يؤثر سلباً على الحوار، ولكنَّه يقلل ساعات لقاء الزوجين ببعضهما البعض، موضحا أن ساعة أو ساعتين لقاء إيجابي بين الزوجين كافية لحل كافة المشكلات الحياتية، وتعميق العلاقة الزوجية وتقوية أواصر الحب بينهما، فليس المسألة بكم ساعات اللقاء بل بكيفيتها و أجوائها، لكن إن كان الزوج يعود منهكاً من عمله، ويأكل ثم ينام، وفي اليوم التالي يذهب لعمله في الصباح، فهذا لن يُعطي وقتا ليتلقي الزوجين ويتحاورا بشكل إيجابي، وسيكون هناك جولات حوار قصيرة، يسودها الصراخ، وسيل عارم من الاتهامات بالتقصير.
وينوه د. العبادسة أن عمل الزوجين أحيانا كثيرة يكون سببا لتعزيز الحوار إذا كان الطرفين على درجة من الوعي والفهم، فيلقون بالعمل وأعبائه خارج البيت في لحظة دخول المنزل وتبدأ حياتهم الأسرية فيصنعون نموذج الزوجين المتفاهمين، وعلى العكس من ذلك في حال أدخل كل من الطرفين أو احدهما مشاكل عمله في حياته الخاصة فيعود للبيت حاملا هموم العمل وأعبائه ولا يجد متسعا في تفكيره وعقله للحوار أو استقبال أية معلومات وتنشأ الخلافات المتراكمة مع غياب الحوار، فالشخصان هما الأقدر بشخصيتهما وثقافتهما على تحديد مصير الحوار فيما بينهم بعيدا عن الظروف المحيطة بهم ويجب أن يكون العمل دافعا للحوار وليس مغيبا له.
بصيص أمل
ويشير د. العبادسة إلى أن من أسباب فشل الحوار ثقافة سيادة الرجل وأن المرأة ليس لها قرار في شئون الحياة، أو ثقافة (شاورهن وخالفوهن)، لكنه أكد في نفس الوقت أن هذه الثقافة بدأت تندثر في مجتمعنا الغزي؛ وذلك لأن مجتمعنا أصبح من أكثر المجتمعات تعلماً وثقافة، وخاصة النسبة العالية للإناث المتعلمات، وهذا كوَّن للمرأة شخصيتها، ورأيها، وزاد ثقافتها واندماجها في المجتمع.
ولكي يكون الحوار ناجحاً يؤكد د. العبادسة على ضرورة تعلم الزوج والزوجة لثقافة الحوار، وهو ما يتطلب أن يكون كل منهما مستمعاً جيداً فلا يتخذ موقفاً دفاعياً، ولا يقاطع كل منهما الآخر، ولا يتوقع ما سوف يقال، ولا يمزح ولا يتذمر، ويستمع إلى الموضوع أو المشكلة، ويستوعبها تماماً، ثم يقوم بالرد عليها بهدوء.
وإذا تغاضينا عن نقطة الاستماع والاحتفاظ بالهدوء والرغبة الحقيقية في حل المشكلة، يمكننا أن نسمي الحوار شجاراً، وهو ما يحدث في معظم البيوت التي لم تتدرب على التواصل الإنساني الجيد.
وفي نهاية حديثنا فإن الحوار هو بر الأمان ووسيلة الاتصال التي ينبغي التمسك بها للوصول إلى زواج ناجح، بعيدا عن مشكلات الحياة المختلفة، فهو جسر الود ومفتاح السعادة لمن أراد الاستقرار في حياته و به تؤلف القلوب وتسعد وبغيابه يسيطر الشك والجفاف والشح العاطفي فاحرصوا أن تملئوا بيتكم بزينة الحوار الذي هو من صميم إسلامنا ومن هدي رسولنا الكريم لإنشاء البيت المسلم السليم والمعافى من الأمراض النفسية، والتشنجات العصبية ليتسنى لنا التفرغ إلى مهماتنا العليا في تحرير وطننا السليب وفك قيد أسرانا والدفاع عن مقدساتنا.
via mixCleopatra http://ift.tt/1v7RmxU
Put the internet to work for you.